CEMB
January 07, 2025, 03:44 AM *
Welcome to our forum.
Please login or register.

Login with username, password and session length

 
  Home   Forum   Help Calendar Members Links Login Register   *
Welcome to our forum.
Please login or register.
January 07, 2025, 03:44 AM

Login with username, password and session length

  FB  Tw  RSS  YT
Donations
Help keep the Forum going!
Click on Kitty to donate:

Kitty is lost
Recent Posts

Yesterday at 11:14 PM

Yesterday at 09:50 AM

January 03, 2025, 12:35 AM

by zeca
December 29, 2024, 12:03 PM

by zeca
December 29, 2024, 11:55 AM

by akay
December 28, 2024, 01:33 PM

by zeca
December 28, 2024, 12:29 AM

by akay
December 27, 2024, 12:20 PM

December 26, 2024, 05:30 AM

by zeca
December 25, 2024, 10:58 AM

December 25, 2024, 02:29 AM

by zeca
December 21, 2024, 11:10 PM

Theme Changer
No themes are chosen

1   Go Down
  Add bookmark  |  Print  
Author Topic: رحلتي من الإسلام الى اللادينية  (Read 5490 times)
cosmicdancer
Pub Regular
*****
Posts: 21507
  Offline
« on: November 27, 2010, 02:09 PM »

توطئة

هذه هي قصتي. كتبتها لكي أفهم مسيرة حياتي ورحلتي من الإيمان بالإسلام الى رفض جميع الديانت. ولعلها تكون مفيدة للآخرين. لم أستعمل الأسماء الحقيقية إلا في بعض الحالات.

ولدت في انكلترا ، والدي من مصر ووالدتي انكليزية. لم ألتزم بالاسلام حتى سن العشرين حينما أصبحت متدين جدا  فمن العشرين حتى ثمانية وأربعين عشت وعملت في أوساط الجالية المسلمة في لندن. درست اللغة العربية في جامعة لندن حيث كنت رئيس الجمعية الإسلامية ثم بعد تخرجي من الجامعة أصبحت أمير إحدى جماعات الدعوة في شمال لندن ومحرر مجلتها الإسلامية ولمدة خمسة عشر عاما كنت مدرسا في المدرسة الإسلامية التي أسسها يوسف إسلام الذي كان سابقا المغني المشهور "كات ستيفنز" وخلال هذه الفترة كتبت أربعة كتب للأطفال المسلمين.

ولكن حينما اقتربت عيد ميلادي الثامن والأربعين عرفت أنني لم أعد أعتقد بالإسلام. طبعا هذا التغيير لم يحدث بين عشية وضحاها إنه بدأ منذ سنوات عندما خامرني الشك في بعض المعتقدات وتدريجا رأيت الإسلام في ضوء جديد.

لو قلت لي لما كنت في ذروة إيماني أن مثل هذا الشيء يمكن أن يحدث لي لم أصدقه وأجبت بانه من المستحيل لمن ذاق حلاوة الإيمان وانغمس في جمال القرآن وحكمته ان يرتدّ عن الاسلام أبدا وإذا إدعي أي شخص بهذا فلم أثق بأنه كان مسلما حقا واتهمته بنوايا شريرة ولكن الحياة علّمتني ان الاشياء التي ظننت سابقا انها لا يمكن ان تحدث قد تحدث.

بدأ يزحف فيّ الشك بالإسلام وحاولت قمعها وكان رد فعلي هو الغضب على الذين انتقدوا الاسلام واللوم على الغرب بسبب عداوته للإسلام والنفى بان هناك أي عيب او علة في الاسلام. ولما قبلت اخيرا ان هناك عيوب يجب علينا مواجهتها فلم أستطع ان اقبل أن الإسلام نفسه هو المسؤول ، العيب فينا المسلمين وليس في الاسلام ، ان المشكلة هي التفسيرات الخاطئة فقط ، وبدأت أطالب بإعادة تفسير القرآن والإصلاح في وجهات النظر التقليدية ، ولكن بدلا من إرضاء ضميري انه زادني الشك وأقنعني بضعف هذا الموقف وخيانة أمانته وأخيرا حاولت أن أقول لنفسي انه لا بد أن تكون هناك تفسيرات ومعاني تتجاوز قدرتي على فهمها وان الله أعلم وما عليّ الا ان أعتصم بحبل اللَّه وأفوض امرى اليه وقلت لنفسي انني لن أخسر شيئا اذا أتمسك بالإسلام وربما يعود إيماني بينما قد أخسر الدنيا والآخرة اذا تركت الاسلام!  فأجبرت نفسي على الصلاة  وإداء واجباتي الدينية ولكن هذا التظاهر لم يجعلني الا مكتئبا وتعيسا.

فان المرء لا يستطيع أن يختار ما يعتقد به ، إما هو يعتقد به ام لا ، فالتظاهر بالايمان ليس هو الايمان حقا ، وإذا كان هناك إله فلا شك أنه لن يريد مني التظاهر بالايمان. فشعرت أنّ ثقلا كبيرا ارتفع عن كتفي عندما اعترفت لنفسي أخيرا أنني لم أعد أؤمن بالاسلام

ولكن لو أنني لم أعد أؤمن بالإسلام فهذا لا يعني انني تحولت فجأة إلى كاره للإسلام او للمسلمين. أعلم أن الإسلام يعطي الراحة وقيما جديرة الي البلايين من الناس. وأن معظم المسلمين اناس طيبون ومحترمون. كيف يمكن أن أكره المسلمين وعائلتي منهم؟ وعندما أتحدث عن نظرياتي مع أولادي أقول لهم: "يجب عليك ان تفكر لنفسك وتتخذ قرارك بنفسك ، وإذا انت مطمئن بالاسلام فانا سأؤيد اختيارك ولن أسالك عن شيئ غير انه ينبغي لكل فرد أن يفحص بصدق المعتقدات التي تُعتبر محورية في حياته فاذا اقتنع بها حقا ينبغي أن يتمسك بها كاملا وبقلبه وعقله ، ولكن إذا هي لم تصمد أمام التمحيص الدقيق فيجب عليه التخلص منها. ان الحياة قصيرة جدا لتسيطر عليها معتقدات لا تؤمن بها."

« Last Edit: November 28, 2010, 09:54 AM by Hassan »
cosmicdancer
Pub Regular
*****
Posts: 21507
  Offline
« Reply #1 on: November 27, 2010, 02:49 PM »

الفصل الأول
"هل قرأت القرآن؟"

كل ليلة قبل النوم كانت أمي تقف عند باب غرفة النوم وتقرأ سورة الفاتحة معنا بالعربية ثم بالانكليزية أحفظها اياها والدي ولو لم يكن متدين ، بالعكس هو لم يهتم بأي فرائض الدين إطلاقا ، ولكنه أصر على شيئين: شهادة أمي عند زواجهما وقراءة الفاتحة كل ليلة قبل النوم. فكنا نجلس على السرير ذراعينا مطوية نتلو الفاتحة بسرعة البرق ، ثم ندخل السرير قبل إطفاء الضوء. أتذكر اني شعرت في الظلام بوجود الله يراقبنا وهو صامت وخفي عنا ، وكنت أحب ان أضع رأسي تحت الوسادة وأقول بهدوء دعائي الخاص: "يا رب اجعل كل شيء بخير" ، ليس لي الوقت للتفاصيل. عرفت ان الله عليم وبصير.

لم نصلي الصلوات اليومية الا بمناسبات خاصة مثل زيارة من جدنا المصري ، فوالدي كان حريصا ليريه انه برغم زواجه بانكليزية وإقامته بأروبا فهو ما زال يحافظ على التقاليد. فانطلقت كريمة ، أختي الكبرى ، تحشرنا للصلاة ، فلما قلت لها انني لا أعرف كيف أصلي أجابتني "لا يهم اتبع حركاتي فقط" ، ففعلت ما أمِرت به وقمت بإقامتها ركعت بركوعها وسجدت بسجودها ولكن المشكلة أنني لم أرها وأنا في سجود فبقيت ساجدا مدة طويلة حتى شدتني أختي بطوق قميصي. ثم بعد الصلاة هي مثّلت لي كيف أدعو الله لكي أسأله عن حاجاتي.

 قالت "ارفع يديك مع بعض ولا تترك أي ثغرات!"
فسألتها "لماذا لا أترك ثغرات؟".
قالت "لأن الله يرسل لك إجابات من السماء ، فاذا تركت ثغرات ستقع بعض إجاباته على الأرض!"

كنت صغير السن فقبلت هذا بغير سؤال ولم يلبث حتى تعودت على طريقة الله في إجابة الدعاء. إذا سألت الله عن حاجة عرفت انها لن تأتي فورا ، وربما قد لا تأتي إطلاقا ، فلم يكن الخطأ من الله ، كان الخطأ مني أنا. لا بد انني لم افعل كل شيء بشكل صحيح ، ربما عصيت أمرا فلم أستحق الإجابة. أتذكر عندما كنت أرغب في شيئ رغبة شديدة أنني حاولت بأقصى جهدي أن أكون ولدا صالحا. فعلت ذلك عندما سألت الله أن يمنع أبي عن ضرب أمي. ولكنه لم يجب دعوتي فعرفت السبب هو أنني لم أكن ولدا صالحا.

 حينما أتيت سن المراهقة اختفى الله الى الخلفية وخلال الصيف الحار والطويل في عام ١٩٦١ لم يكن اهتمامي إلا ان أكون مثل محبوبي المغني الانكليزي "مارك بولان" فكنت أحتذي كل شيئ عنه ، لباسه المزخرف ، شعره المجعد ، حتى مشيته المتغطرسة ، وكنت أقف أمام المرآة أغني وأقفز كأنني على خشبة المسرح أمام آلاف من المشجعين. انا واخويّ ألصقنا صور كثيرة على حيطان غرفتنا حتى أصبحت مغطاة كلها بصور ورسومات من رجال بالمكياج ولابسين ثياب ضيقة تكاد تظهر عورتهم منها فاقتنع والدي اننا سنصبح مثليون جنسيا.

"ما هؤلاء المخنثون الخبثاء على جدرانكم - كلهم مثليون جنسيا!؟"
قلنا "ليسوا مثليين جنسيا".
"بالطبع هم مثليون جنسيا ، انظر الى وجوههم!

أمعنت النظر في وجوههم في محاولة لتحديد بالضبط ما الذي كشف لوالدي بهذا الوضوح القاطع أنهم مثليون جنسيا؟

"انزعوها الآن! "

فنزعناها كما أمرنا ، لا يمكن أن تقول "لا" لوالدي.

وُلِد والدي - عزيز رضوان - عام ١٩٢٤ في القاهرة لعائلة ثرية ذات روابط عائلية للملك كمال وأتذكر أنه قال لي أن جده كان حسن بك رضوان أول رئيس البرلمان المصري. ولكنه نادرا ما تحدث عن حياته قبل وصوله الى انكلترا ولفترة طويلة لم أعرف أنه من مصر ، في البداية ادعى ان اسمه "جون بيار" (Jean Pierre) وقدّم نفسه على انه من فرنسا وحقا كان يجيد الفرنسية كما يجيد لغات اخرى ايضا.

 كانت والدتي ، ماري ماجسون ، ابنة هوراس ماجسون ، محاسب بمكتب المجلس المحلي في لندن. وكانت عائلتها ميثوديون (Methodists)، ولكن مثل والدي لم تكن متدينة.  صادفت والدي في باريس في ١٩٥١ هو كان يدرس في جامعة لوزان في سويسرا ، بينما هي كانت سائقة سيارات الإسعاف في الجيش البريطاني. وبعد الزواج ذهبوا للعيش في مصر ، ولكن بسبب ثورة ١٩٥٢ وتأميم قناة السويس أجلت الحكومة البريطانية سكانها مع عائلاتهم وتم إعادة توطين والديّ في كوخ تيودور (Tudor) قديمة وسطَ قرية صغيرة في أرياف انكلتارا ، حيث ولدت في ١٢ مايو ١٩٥٩ ، الطفل الخامس من ثمانية.

انتقلنا إلى شمال لندن عندما كان عمري ٦ سنوات وقضيت معظم طفولتي هناك. وسرعان ما أدركت أن عائلتي كانت مختلفة من الاخرين ، كنت أكره أن يسألني أحد عن اسمي فاذا أجبتهم بأنه "حسن" كان دائما نفس رد الفعل: الصمت المحرج أو الاستهزاء.  مرة في المدرسة كان الأستاذ يكتب قائمة الانتماءات الدينية ونادى اسمي فترددت فترة طويلة وبالطبع هذا التردد زاد انتباه التلاميذ فاخيرا همست:

"الإسلام"
قال الأستاذ "ارفع صوتك يا ولد"
"الإسلام سيدي"

ضحك بعض الأطفال وأصر أحد منهم أن الإسلام غير دين حقيقي وانني اختلقته فتعرضنا أنا وإخوتي للعنصرية واشتد الامر حينما قرر والدنا ان يسحبنا من مجالس المدرسة الصباحية. أنا لا أعرف حقا لماذا سحبنا منها ، لو كان متدين لفهمت ، لعله خاف من ان يصيبنا مرض المسيحية!  فبدلا من حضور المجالس لاستماع إلى حكايات و أمثال ظريفة ذات عِبَر وحِكَم  جلست في غرفة منعزلة مع ولد هندوسي كبير الذي أراني مجلته الإباحية المخبأة تحت مكتبه. والنتيجة الوحيدة من كل ذلك هي لتؤكد للجميع أننا مختلفين منهم ويجب عليهم أن يتعاملوا معنا علي هذا الاساس.

كان والدي رجل ذا تناقضات ، أحيانا كان تقدميا وليبراليا وأحيانا كان تقليديا ومحافظا ، بنسبة المرأة هو كان يعتقد أن مكانتها تحت سلطة الرجل وطالب من والدتي الطاعة المطلقة وأن طموحاتها لا تتجاوز البقاء في المنزل والطبخ والتنظيف واستعمل العنف ان امتنعت عن الامتثال بأوامره. وبعدما عانت معاناة شديدة وطويلة هي طلبت من المحكمة الطلاق ، وكانت المعركة على حضانة الأطفال طويلة ومريرة.

في عام ١٩٧٨ بدأت شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع بكلية "شمال لندن" التي كانت معقل الطلاب الماركسيين والتروتسكيين. انضممت إلى إحدى الجمعيات الاشتراكية وأصبحت رسّام الكاريكاتير في مجلة الكلية ورسمت رسومات كثيرة تسخر من السياسيين وقوبلت رسوماتي بثناء من الجميع حتى رسمت رسوما تسخر من أشخاص جمعيتي وسياستهم . فغضب محرر المجلة وأقالني على الفور ولكنه لم يهمني فتجربتي مع سياسة اليسار خيّبت طني بها وعلى اي حال أكثر اهتمامي كان بفتاة أعجبتني وكيفية سؤالها على موعد معي. اسمها "ديان" وكانت طالبة في السنة الأولى مثلي ، قد أصبحنا صديقين من اليوم الاول. كانت ذات شخصية مبتهجة وظريفة وكانت تحب كرة القدم ونفس الموسيقي ، وكلانا تمتعنا من مناقشة معنى الحياة.

بعد بضعة أسابيع من محاولاتي الخجولة والمتلعثمة أن أقول لها شيئا غير "مرحبا"  هي قالت لي:
"هل تريد الذهاب إلى الحانة "ستابلتون" الليلة؟ هناك فرقة الروك رائعة ".
"نعم! في أي ساعة؟ "
"تعال نحو الثامنة."

حضرت الساعة السابعة ، في أفضل جينز لديّ ويفوح مني رائحة العطر. لم تكن الا زيارة الى الحانة ولكنها كانت بداية علاقتي الأولى وأصبحنا صاحبين لا نفترق وانتقلنا الى شقة معا. بعد السنة الأولى سئمنا من محاضرات مملة عن "أوغست كونت" ، "ماكس فيبر" و"كارل ماركس". كنا نتمنى أن دراسة علم الاجتماع ستكون تجربة تنويرية تكشف لنا بعض أسرار الحياة ولكنها كانت مجرد استنساخ مجموعة مختارة من كتب مملة. فقررنا على التنازل عن الكلية والانتقال الى الريف مع جماعة من أصحابنا.

كان العام ١٩٧٩ وكنت أستمتع بحياة اجتماعية جيدة وسعيدة ولكن تحت السطح شعرت بارتباك بماهية هويتي وزادتني ارتباكا تصرفات بعض العنصريين والمتعصبين الذين أوضحوا أن من له اسم أجنبي ودين غريب - لو انني لم أكن متدينا حينئذ - لن يعتبر انكليزيا ابدا. على سبيل المثال أحد العمال في مكان عملي كان يناديني ب"يا العربي الوسخ!" لمجرد كان اسمي حسن والشيء المضحك هو أنني لم أعتبر ابدا بأنني عربي حتى تلك اللحظة!

ثم صادفتني سلسلة من الأحداث جعلتني أستعرض الثقافة والديانة التي حاولت ان أنساها ، أولها الثورة الاسلامية في ايران. أتذكر مشاهدة المعارك في شوارع طهران على التلفزيون ، وشجاعة الشعب امام حرس الشاه المدججين بالسلاح. لقد وجدت الصور مثيرة ، مدنيون متحديين يقفون ضد جبروت الطاغي ، نضال الشعب ضد نخبة قوية ، لكنني كنت أيضا واعيا ان دينهم لعب دورا قويا - نفس الدين الذي شعرت ببعض اتصال به وإن كان اتصالا ضعيفا.

واجهني مثال آخر بقوة الديانة في تأثير الناس عندما عاد صديقي من رحلة تخييم ليعلن للجميع انه وجد يسوع وأصبح إنجيليا ورفض أن يشاركنا فيما كان يشاركنا به مثل الذهاب إلى الحانة والاستماع إلى الموسيقى - غير الموسيقى يمدح يسوع طبعا - وكانت صدمة هائلة لأنه كان يستهزئ بالايمان والديانات ولكنه الآن اصبح متحمسا ومتهللا بإيمانه ويحاول باستمرار تحويلنا لدينه.

 قال "يسوع يحبك ويريد أن يغفر لك"
قلت "لكنني لم أفعل شيئا"
"نحن جميعا مذنبون فيسوع يستطيع ان يعيدك الى ما يرضي الرب"
"لماذا؟ هل أخطأ الخلق اول مرة؟ "

تبشير صديقي المستمر أجبرني على اتخاذ موقف بشأن المسيحية والديانات عموما ، وهو أمر لم أهتم به كثيرا من قبل ، فكلما فسّر لي صديقي مبادئ المسيحية مثل "الثالوث" و"الخطيئة الاصلية" و"الكفارة" عرفت انها مبادئ لن استطيع ان أعتقد بها ابدا ، فكرة ان الله هو "ثلاثة أشخاص في واحد" او وُلِد الانسان بخطيئة آخر أو ان غفران الفرد لا يتوقف على أعماله ولكن لأن شخصا آخر كان مسمر على لوح خشبي تتعارض مع العقل والعدالة. انضم صديقي بطائفة صغيرة من المسيحيين الانجيليين على بعد بضعة أميال ، لكنه استمر في زيارتنا والدعاء بان يملأنا الروح القدس.

لم يملأني الروح القدس ولم أشهد ابدا شيئا خارق العادة ، كنت أعتقد بأن هذا العالم كان "ما تراه هو ما تحصل عليه" وما كان الغيب إلا أوهام الناس ولكن تمشيا مع هذه السلسلة من الأحداث كان شيئا خارق العادة على وشك أن يحدث لي - أو قل هكذا بدا لي الأمر!  ذهبنا انا وديان إلى مهرجان موسيقى وسط ريف "لانكشاير" الرائع ، فخرجنا مرةً للنزهة وتسلقنا أحد جانبي الوادي للاستمتاع بالمنظر وصوت الموسيقى ينطلق نحونا من الميدان دوننا فعندما كنا واقفين هناك سمعت صوت لم أكن أتوقع أن أسمعه.

سألت ديان "هل تسمعين ذلك؟"
فأجابت "ماذا؟ لم أسمع شيئا"
فقلت لها "استمعي!... انها اذان المسلمين ينادي بالصلاة!"

انا سمعت الاذان بصوت واضح وجميل فوق صخب المهرجان ولكن ديان أصرت انها لم تسمع غير الموسيقى من المسرح فتحيرت لماذا لم تسمعه ولماذا يؤذن شخص ما بمنتصف مهرجان موسيقى الروك؟ بحثت عن تفسير عقلاني ولكني لم أجد تفسيرا مقنعا وبدأت أتسائل اذا كانت الأحداث الخارقة قد تحدث حقا واذا كان هذا الاذان ندائي الخاص إلى الإيمان بالاسلام؟

لم يمض زمن طويل على مسألة الاذان الغريبة حتى جاء الحدث الثالث في هذه السلسلة. كنت جالسا مع ديان أشاهد التلفزيون عندما أعلن المقدم بان البرنامج المقبل ستكون تغطية العرض الاخير للمغني "كات ستيفنز" الذي  أسلم وغيّر اسمه الى "يوسف إسلام" ثم استقال من صناعة الموسيقى، فدهش الجمهور بإعراضه عن الشهرة والمال من أجل دينه ، فكما يقال الديانة لضعفاء العقل والمتخلفين وليست لسادة البراعة والمهارة وكنت موافق بهذا الرأي من ناحية ولكن من ناحية اخرى فرحت بأن شخصا مبدعا ومحترما استحسن الظن بديني ولو لم أتمسك به فان الامر شجّعني علي إعادة النظر في ديني من جديد.

الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من الأحداث كانت زيارتي الى مصر.  فاجأني والدي ذات يوم بحضور بيتي بعد مدة طويلة لم أره والتمس مني مصاحبته في رحلة إلى مصر ، كانت زيارته تتعلق بميراث والده ولكن أظن انه ايضا اعتقد بأنها فرصة رائعة ليفصل بيني وبين ديان.  كان والدي يحتقر ديان لأنها كانت قوية الإرادة ومستقلة الرأي وليست خائفة من التعبير عن نفسها ، كنت أحب هذا الجانب من شخصيتها ولكنه يتناقض مع آراء والدي بل كان ضد النظام الطبيعي عنده ، يجب على المرأة ان تكون صامتة ممتثلة بأوامر الرجل ، خلق الله النساء هكذا وهكذا ينبغي ان يبقى الى الابد. قلت لنفسي انه لن يؤثر على علاقتنا وأنه لا يمكن ان أرفض الفرصة لزيارة مصر لأول مرة ، ولكن الحقيقة ان العلاقة بيني وبين ديان قد أصبحت مضجرة وشعرت بضيق الصدر. كنت حريصا على تغيير البيئة - على الأقل لمدة أسبوعين.

قبل القيادة إلى المطار عرّجنا على بيت اختي سليمة.
سألتني "ما الذي تنوي في مصر يا حسن؟"
"كنت أفكر في استكشاف إمكانيات لدراسة علم المصريات في الجامعة الأميركية في القاهرة".
اجابت "إن شاء الله"
"لماذا أقول إن شاء الله يا سليمة ، إما أن أدرس علم المصريات أو لم أدرسه ، فما دَخْلَ الله به؟ "
"لا شيء يحدث إلا بمشيئة الله"
"هل جريمة القتل بمشيئته؟"
قالت "انه يسمح لها أن تحدث لأنه أعطانا الإرادة الحرة"
قلت "حسنا! لن يتدخل في مشروعي بدراسة علم المصريات إذن!"
"على كيفك يا حسن"
بعدما خرجنا من بيت اختي فكرت في ما قلته لها ، كان متعجرفا وأسفت منه.

« Last Edit: November 27, 2010, 05:16 PM by Hassan »
cosmicdancer
Pub Regular
*****
Posts: 21507
  Offline
« Reply #2 on: November 27, 2010, 03:03 PM »


كانت الرحلة الي مصر طويلة ومتعبة فشعرت بارتياح شديد عند الهبوط بمطار القاهرة أخيرا. حالما خرجت من الطيارة وتلقيت الجو الحار الرطب أدركت أنني في عالم آخر ، ولما دخلنا شوارع القاهرة أدركت أنه ليس عالم آخر بل هو كون آخر. جنحت اليّ رائحة البخور من خلال نافذة شعرية ، وقصف أذني صوت أبواق السيارات - "الكلاكسات" - كأنها فرقة موسيقية هائلة مخبلة وحمير محملة بالخضار تنسج طرقها وسط حركة المرور بينما يصلي رجل على الرصيف لابسا "بيجامة" وإمرأة ترمي الزبالة من شرفتها و تاجر يعلن بضاعته بصرخة صفارات الانذار التي جعلتني أقفز خوفا ، كان المنظر مزيجا فوضويا من الروائح والأصوات والألوان كلها كانت صدمة مذهلة ولكن برغم غربتها شعرت بالراحة والمؤانسة ، لم أكن في حاجة إلى إخفاء أصلي أو أن أشعر بالحرج بسببها وجميع من لقيته كان يحترم كلا الجانبين من نسبي الإنكليزي والمصري.

أقمنا بشقة عمي كمال في منيل الروضة وزارنا هناك العديد من الأقارب. لبس المصريون نفس الملابس الموجودة في الغرب وشاهدوا نفس الأفلام الهوليوودية وامتلكوا نفس الأجهزة الحديثة ولكن عندما جلست على الأثاث الذي كان في نموذج الأثاث الفرنسي القرن الثامن عشر اخترق أذنيّ مكبر للصوت متعلق من المئذنة بجوار الشقة ينادي عباد الله الى الصلاة فأدى هذا الى موجة من النداءات تتدفق عبر أسطح مباني القاهرة الى آفاق ، حتى البرامج على شاشة التلفزيون تعطلت واستُبدلت بإشارة مكتوبة عليها "صلاة المغرب"  فنهض الجميع للصلاة وتركوني جالسا وحيدا على الطاولة ، بعد الصلاة جائت ابنة عمي إلهام تحمل صحنا من الطعام.

قالت "هل يعجبك "البيتلز"؟ العضو المفضل عندي هو "بول مكارتني" انه وسيم جدا"
"نعم ، هم يعجبونني ايضا ولكنهم افترقوا منذ بضع سنوات"

المصريون كانوا يحبون الترفيه والأزياء من أوروبا وأمريكا لو ان معلوماتهم متأخرة قليلا ما

"جورج بست!" قال حمدي وابتسم ابتسامة عريضة "مانشستر يونايتد - فريق ممتاز!"
"نعم ولكن أنا أؤيد توتنهام هوتسبر"
"توتن هوتن؟ من هو توتن هوتن؟"
"توتنهام هوتسبر - انهم فريق كرة القدم من شمال لندن"
أشارت إلهام الى صورة في الجريدة لآية الله الخميني يعانق طفلة. "آه هو رجل طيب!"
"يبدو أن الشعب يحبونه"
"انه قال ان ليس هناك فرق بين الشيعي والسني وان كلنا مسلمون ويجب أن نكون أمة متحدة "

كانت إلهام فتاة مثقفة ومستقلة لا ترتدي الحجاب تحب حريتها ولها عادات وأذواق غربية ، ولكنها في نفس الوقت مرتاحة تماما مع وجهات النظر التقليدية والمتشددة ، ورأيت نفس الظاهرة بين العديد من المصريين.

"كُلْ يا حسن!" قالت عمتي نفيسة وجلست بجانبي. "طبخنا لك الأكل إنجليزي - السمك والرقائق!"
 قال عمي "هل تصلي يا حسن؟"
"في الحقيقة لا"
"يجب أن تصلي! قال النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاح الجنة الصلاة"
"لست متأكدا من أنني أؤمن حقا في كل ذلك ، لماذا الله في حاجة للصلاة؟ "
"الله لا حاجة له للصلاة لكننا نحن بحاجة للصلاة. لنشكره ونستعينه"
"لماذا يتعين علينا أن نقدم الشكر والإستعانة من خلال الصلاة".
"هل قرأت القرآن الكريم يا حسن؟"
"قليلا"
أخذ عمي كمال كتابا من الرف.
"ها هي نسخة من القرآن بترجمة انكليزية ، أريد منك ان تعدني بقراءتها"
لم أرغب في الوعد على شيء لم أرد القيام به ولكنني كنت ضيفا في بيته فلا أستطع ان ارفض ، قلت لنفسي سأقرأ بضع صفحات ثم أضعه في ركن ما.
فقلت "شكرا، سأقرأه ".
"إن شاء الله" قال عمي
"إن شاء الله" أجبته

خرج عمي اليوم التالي وتركني في الشقة مع عمتي نفيسة ، ففتحت القرآن وقرأت صفحات كما وعدته ، ولكنني وجدت أنني لم أستطع التوقف عن قرائته. القرآن ليس كأي كتاب فإنه لا يتبع إتفاقيات النثر العادية ، ليس له بداية ولا نهاية ليس له خيط يعينك على متابعته أو اختتام كمعظم الكتب وإنه يقفز فجأة من موضوع إلى آخر وحتى اسلوبه يتغير من السرد المطرد إلى النظم السريع ومع ذلك وجدته جذّابا.

قرأت "الف لام ميم"
كانت عمتي جالسة بهدوء تدخن سيجارة وتقرأ مجلة فيها شابات جميلات متبخترات في عرض الأزياء الحديثة
"ما معنى ألف لام ميم؟"
"لا أحد يعرف." ابتسمت عمتي "بعض فصول القرآن تبدأ بالحروف الأبجدية وقد حاول المفسرون شرحها ولكنهم لم يصلوا الى معنى على وجه اليقين"
"يعني هي لغز؟"
"نعم".
كنت أحب الألغاز

"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ"

"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"

"نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"

"فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"

"وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"

"وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"

لقد بكيت عند قراءتي هذه الكلمات و خجلت من ان تراني عمتي فحاولت إخفاء دموعي منها ، شعرت بقوة غريبة في قلبي وكنت على يقين أن الله يكلِّمني من خلال هذه الكلمات وشعرت بأن غشاوة قد رُفعت عن بصري وقد اكتشفت معنى حياتي التي كنت أبحث عنه منذ كنت طفلا صغيرا ، هي كانت تجربة روحانية عميقة وعاطفية ولم أرَ أبدا حينئذ الآيات القاسية والعنيفة التي يقتبسها الكثير اليوم ، ليست لأنها غير موجودة ولكن لأنها لم تحدثني بطريقة حرفية.

ذهبت الى الجامعة الأميركية ولكن رئيس القسم كان غائبا ذلك اليوم فلم أرجع اليها مرة اخرى ، لم أعد أرغب في دراسة علم المصريات وقضيت معظم الأسبوعين المتبقيين بقراءة القرآن وزيارة الأقارب وبالطبع مناقشاتنا هناك دارت حول موضوع الإسلام.

"لي صديق يقول أن يسوع صُلب من أجل دفع ثمن خطايانا"
"بالعكس" ، قال مجدي. "يقول القرآن:  مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. الإسلام دين الفطرة يعني هو منسجم مع طبيعة الانسان"
"اذن لماذا لم يسلم الجميع؟"
"لأن مؤثرات خارجية تبعدهم عن هذه الفطرة السليمة ، وقال النبي "الناس نيام إذا ماتو انتبهوا"  فهذه هي طبيعة الدنيا يا حسن لو كان كل شيء واضح لسهل الأمر ولن يكون هناك أي اختبار"

وقدّم لي مجدي كتاب الاحاديث فوجدتها مثيرة جدا مثل الحديث التالي

"أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"

عندما جاء وقت العودة الى انكلترا لم أرد مغادرة مصر ووعدت نفسي انني سأعود قريبا - إن شاء الله!  كانت تجربة مذهلة ، كأن بابا روحانيا قد فُتِح لي ووجدت وراءه أسرار إلهية فعدت الى انكلترا متحمسا ومصمما على تعلم كل شيئ عن ديني.

اندهشت ديان بتحويلي المفاجئ واعتقدت انه مجرد مرحلة عابرة  فلاطفتني رجائاً أن يعود عقلي اليّ ، ولكني لم أزد الا حماسا وأصرت على النوم في سرير منفصل وقلت لديان ان الإسلام حرّم الجماع الجنسي قبل الزواج وتوقفت عن شرب الخمر والتدخين وبدأت أصلي الصلوات الخمس وكنت دائما أتكلم عن يوم القيامة والجنة وآيات القرآن واحاديث النبي في محاولات يائسة لإقناع ديان بالإسلام. اخيرا أدركنا جميعا اننا كنا نضيع وقتنا ، ديان لن تسلم وانا لست أمرّ بمرحلة عابرة فافترقنا وخرجت من شقتنا وتركت ورائي ألبوماتي الموسيقية ورسوماتي ، لست في حاجة الى إنحرافات وثنية عن سبيل الله.

cosmicdancer
Pub Regular
*****
Posts: 21507
  Offline
« Reply #3 on: November 27, 2010, 03:05 PM »

الفصل الثاني
سبيل الله

تزامنت صحوة إيماني مع صحوة شائعة بين المسلمين في إنجلتارا في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. من دوافع تلك الصحوة عدة عوامل مثيرة في العالم الإسلامي حينذاك مثل الثورة الاسلامية في إيران والغزو السوفييتي لأفغانستان والغزو الإسرائيلي للبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا وتمويل الدعوة الاسلامية من قبل السعودية.  كانت الجالية المسلمة في إنجلتارا تنبض بالنشاط والإنفعال خاصة في لندن . ازدحم المساجد بالذين منذ سنوات قليلة لم يكونوا ملتزمين بالإسلام وظهرت اجتماعات إسلامية وحلقات الذكر في مراكز محلية وبيوت الناس.  كلما ذهبت الى مسجد "ريجنتس بارك" في وسط لندن لصلاة الجمعة أتاني الكثير يدعونني الى تجمعات لمناقشة الإسلام واكتظّ إطار العرض في المسجد بإشارات تعلن باجتماعات ومنظمات إسلامية جديدة. عندما شاركت في هذه الاجتماعات أدهشني أول مرة تنوع الحاضرين فيها ، هناك الآسيويين والأوروبيين والأفارقة والأتراك والأكراد والماليزيين والعرب والايرانيين وكانوا من جميع مناحى الحياة كطلاب ، موظفي الخدمة المدنية ، سائقي الحافلات ، أطباء ، وحراس وقوف السيارات ، فلم يكن هناك حاجز وطني أو عرقي أو طبقي عن المشاركة الكاملة في الاجتماعات. كان الهدف لهذه الاجتماعات معرفة المزيد عن الإسلام ولكن من المهم ايضا التعرف على المسلمين في المنطقة وبناء شعور الأخوة.

أول الاجتماع حضرته كانت "جمعية المخلصين الإسلامية" التي عقدت في غرفة الجلوس للأخ شريف. معظم الذين حضروا قد وُلدوا مسلمين ولكن لم يكونوا متدينين من قبل فهذا خلق جوا من الاكتشاف والمغامرة فبدأنا بمبادئ الإسلام. ليست موجودة في تلك الأيام الاختلافات العقائدية والانقسامات الطائفية التي تسبب صراعات كثيرة بين المسلمين اليوم ، كانت الاجتماعات شاملة وواسعة الأفق وكنت أحب هذه الاجتماعات أيضا بسبب الغذاء الرائع الذي قُدّم لنا في نهايتها مثل بریانی والكاري وسمبوسة والمحشي والكسكس وكفتة ، كنت أحب الشعور بالانتماء والهوية كأنني جزءا من عائلة الضخمة التي تشترك في رباط خاص.

الامر الذي اتضح من هذه الاجتماعات ومن مناقشات مع مسلمين هو أن علم اللغة العربية كان شرط أساسي لفهم الإسلام ، وشعرت أيضا أنه يجب عليّ ان أتعلم اللغة العربية لأنه كان من تراثي وهويتي فالتحقت بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بجامعة لندن لدراسة اللغة العربية والثقافة الإسلامية. معلمي الخاص كان ديفيد كوان (David Cowan) مؤلف الكتاب "Modern Literary Arabic" ، رجل كبير السن ولكن خفيف الدم اعتنق الإسلام في شبابه وكان رئيس القسم الشرق الأوسط الذي يتضمن الدكتور وانسبورا (Wansbrough) والدكتور كوك (Cook) الذان أثارا جدالآ بسبب كتبهما التي ألقت ظلالا من الشك على القرآن فادّعى وانسبورا أن القرآن كان من نتاج مصادر مختلفة وتحسن وانصقل من خلال السرد عن طريق الفم بعد محمد ، بينما ادّعى الدكتور كوك مع باتريشيا كرون (Patricia Crone) أن الإسلام بدأ كفرع منحرف من ديانة اليهود ثم أصبح دينا منفصلا بعد ذلك. لم تتولد كتبهم ضجة كبيرة ولو كانت نشرت اليوم لأشعلت مظاهرات عنيفة من بعض المسلمين ولكن لم تكن الجالية المسلمة مسيسة حينذاك ولم تكن الجماعات الجذرية منتشرة في المملكة المتحدة.  كنت حريصا على امتصاص كل ما بوسعي حول الإسلام ووجدت الجو في الجامعة مثيرا ومهيجا جدا وحضرت كل محاضرات اللاصفية والنقاشات المسائية وقرأت أي كتاب ذكر الإسلام وأصبحت مكتبة الجامعة بيتي الثاني وسهرت على الدراسة حتى أمناء المكتبة طردوني منها.

في نفس الوقت الذي كنت أبذل جهدي لمعرفة المزيد عن الإسلام كنت أيضا حريصا على دعوة الناس إلى الإسلام وخاصة أقاربي الذين لم يكونوا ملتزمين به وحثّتني على ذلك رغبتي المتحمسة في تبشير ونشر كلمة الحق الذي اكتشفتها ولإنقاذهم من عذاب الجهنم. كنت قد رأيت مؤخرا فيلم "الرسالة" عن حياة النبي وهو يبدأ بثلاثة فرسان ملثمين راكضين عبر الصحراء حتى وصلوا إلى حكام بيزنطة وفارس ومصر لتسليم رسائل تدعوهم للإسلام ، هذه هي الرسالة إلى هرقل ملك بيزنطة:

"باسم الله ، الرحمن الرحيم - من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين"

فقلت لنفسي "حسنا! اذا كانت هذه هي طريقة النبي إذن انا سأدعو الناس بنفس الطريقة" فكتبت رسالة الى اختي لطيفة التي لم تتمسك بالإسلام:

"عزيزتي لطيفة - سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعوة الإسلام أسلمي تسلمي يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثمك - المخلص - أخوك حسن."

لا أعرف ما كان رد فعل لطيفة على تلك الرسالة لأنها لم تجب عليها فقررت علي تغيير الطريقة وأن أتحدث مع كل واحد وجها لوجه وقضيت الكثير من الوقت مع أشقائي وأصدقائي أقرأ آيات القرآن وأبين لهم معانيها.

زرت الأخ شريف ذات يوم فاقترح لي أن أرافقه على "تبلیغی جماعت" (جماعة التبليغ). كانت "تبلیغی جماعت" حركة إسلامية التي أسسها الشيخ محمد الكاندهلوي في الهند عام ١٩٢٦ هدفها تبليغ الدعوة الاسلامية الى من لم تبلغه وايضا دعوة العاصين من المسلمين إلى الصلاة وجميع فرائض الإسلام فانتشرت الجماعة سريعا في الهند ثم في باكستان وبنغلاديش وانتقلت إلى العالم الإسلامي والعالم العربي وبعد ذلك انتشرت دعوتها في أوروبا وأمريكا ومعظم بلدان العالم وقد أصبحت ذات شعبية كبيرة بين المسلمين في المملكة المتحدة.

"ما هو"تبلیغی جماعت"؟"
"هو تجمع تُلقَي فيه محادثات عن الإسلام - تعال معي؟ "
"أين هو؟"
"ديوسبري" (Dewsbury)
"أين ديوسبري؟"
"قريب من ليدز" (Leeds)
"ليدز؟! هذا على بعد أميال كثيرة! "
"لا تخف لن يستغرق وقتا طويلا ، هيا بنا! ستستفيد منه جدا وستتعلم كثيرا حقا"

سرعان ما وجدت نفسي في سيارة متوجها الى ديوسبري وبعد سفر استغرق خمس ساعات الذي توقفنا من خلاله مرتين لنُركِب معنا بعض الإخوة وصلنا في قرية ديوسبري مع منازلها المدرجات الفيكتورية. كان مشهدا نموذجيا إنجليزيا وهو آخر مكان الذي أتوقع أن تكون فيه جالية مسلمة ولكن عندما تحولت السيارة الى الشارع القادم واجهنا مسجد ضخم وعلى طول الشارع لعبوا أطفال باكستانيين لابسين لبس تقليدي بينما وقفت نساء باكستانيات عند أبوابهن محجبات ويثرثرن باللغة الأردية ، ولو لم توجد المنازل الفيكتورية والسماء الباهت الرمادي فوقنا لحسبته حيا من أحياء كراتشي.

لم يكن بناء المسجد مكتملا حينئذ وكانت اكياس من الاسمنت مرمية هنا وهناك وأعمدة مع شبكة سلكية تخرج منها. كان المسجد حافلا بناس وتُلقَى معظم المحاضرات باللغة الأردية فهداني أخ الى محاضرة باللغة الإنجليزية. كان يتلقب شيوخ "تبلیغی جماعت" بلقب "مولانا" وكان مولانا رجلا قصير القامة كبير البطن يجلس على منصة مرتفعة ويتحدث باللغة الانجليزية بأسلوب ركيك أمام مجموعة مختلطة من العرب والماليزيين والأفارقة وعلى قرب مني جلس رجل افريقي سمين لابس قفطانا مزخرفا وطاقية ملونة ، أطل في وجهي من خلال نظارته ذات عدستان سميكتان التي كبّرت عينيه ضعف حجمها وهو حدّق في وجهي طول المحاضرة فانا رميت اليه نظرة لأظهر إزعاجي به ولكنه ابتسم ابتسامة عريضة تكشف أسنانه البيضاء واشتدّ في التحديق بلا هوادة.

أخيرا قال لي "هل أنت مسلم؟"
أجبته في نبرة خافتة حتى لا أعكّر المحاضرة "نعم"
"ما شاء الله! منذ متى وانت مسلم؟ "
ترددت فلم أكن متأكدا كيف أرد له لأنني ولدت مسلما لو أنني لم أكن متدينا فقلت "لقد كنت متمسك بالإسلام لمدة عام تقريبا".
"هل تعرف كيف تصلي؟"
"نعم".
من الواضح انه اعتقد بانني انجليزي غير مسلم الذي أسلم. سرعان ما اكتشفت أن الاوروبيين والغربيين الذين أسلموا قد جذب اهتماما هائلا من المسلمين. من جانب هو لحماية المسلمين الجدد ولمساعدتهم ولكن كان ايضا بسبب الشعور بالدونية بالمقارنة مع الغرب نتيجةً عن عصر الاستعمار الأوروبي وتفوق الغرب في العلوم والتكنولوجيا فإذا أسلم غربي أبيض كان حدثا هاما جدا وطمأن المسلمين أن الإسلام لا بد أن يكون الحق اذا أعطاه غربي أبيض ختم الموافقة!  قد لقيت هذه العقلية عند الكثير ووجدت نفسي مضطرا للجلوس والاستماع الى محادثات حول أمور بسيطة وبدائية في الإسلام التي عرفتها من طفولتي ومن أشخاص الذي كانوا أقل علما بالإسلام مني!

قلت له "والدي من مصر والدتي انجليزية" وهي جملة استخدمتها مرات كثيرة عبر السنوات المقبلة

"هل والدتك مسلمة؟"
"إيه... يعني... لا حقا."
"يجب عليك أن تقنعها بالإسلام"
"نعم... إن شاء الله..."
"فمن واجبك حفظ عائلتك من النار!"
"طيب.. شكرا... لا مؤاخذة يا اخي الكريم ولكن أريد أن استمع إلى المحاضرة "

كان "مولانا" يتحدث عن الموت ويوم القيامة وقال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 'يتبع الميت ثلاثة : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد"
وتوقف هنيهة ونظر إلينا ثم استأنف:
"يرجع أهله وماله"
توقف مرة اخرى وكبرت عيناه وقال:
"ويبقى عمله!"
"نعم أيها الاخوة الكرام إن أعمالنا في غاية الأهمية فهي تبقى معنا ونحن في القبر وتصاحبنا الى موعد الحساب وستكون اعمالنا إما لنا وإما علينا وفي ذلك الحين سوف ندرك حقا أهمية الأعمال حتى أصغرها ولكن سيكون بعد فوات الأوان للعودة والإصلاح - لا فرصة ثانية! "
ثم تحدث مولانا عن فضائل التبليغ والدعوة الإسلامية.
"ما هو أكثر أهمية من الخروج في سبيل الله؟ هل نحن حقا نحب الله ورسوله أكثر من أنفسنا؟ أم نحب الراحة والملذات العابرة الدنيوية؟ هل نحن أضعف من أن نعطي ربنا حتى أياما معدودة في سبيله! ما عليك إلا أن تجعل "نيت" (النية) لبضعة أيام او أسابيع أو شهر أو سنة! "

قلت للطالب الماليزي بجانبي "ماذا يقصد ب"جعل نيت"؟"
"هو يقصد أنه يجب عليك القرار بالخروج مع جماعة لدعوة الناس إلى الإسلام وأن تقيم في مسجد لمدة أسبوع او شهر او اكثر!"
قلت مضطربا "ماذا؟"
رأيت الناس من حولي يقومون واحد بعد الآخر معظمهم يحملون حقائب الظهر وبعضهم يمسكون جوازات السفر وتذاكر الطائرة!
"لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان! لا بد لي من العودة الى بيتي "
ولكن كان الطالب الماليزي قد انضم الى مجموعة متوجهة الى "نيوكاسل" (Newcastle)

كتمت دافعا للاندفاعة نحو المخرخ وبدلا حاولت أن أصنع عذرا ولكن بعد كل الحديث عن يوم القيامة وأهمية العمل في سبيل الله كل عذر كان كأنني أقول: "لا أمانع لي بدخول جهنم!" قمت ونظرت من حولي ورأيت شريف يخرج مع جماعة فناديت باسمه ولكنه فقط ابتسم ولوح قائلا
"سوف أراك بعد أسبوعين حسن!"
لاحظ "مولانا" حيرتي فقال لي:
"هل جعلت "نيت"؟"
"عائلتي لا يعرفون أين أنا"
"يمكنك الاتصال بهم"
"يجب عليّ أن أرجع الى بيتي - عندي حاجات لا بد أن أقضيها! "
"أليس سبيل الله أكثر أهمية؟"
"اه... اعتقد بذلك... ولكن كيف آكل؟"
"سيتم توفير الغذاء!"
"أين أنام؟"
"النوم في المسجد!"
"ماذا عن والديّ؟"
"لا تخف عليهما!"
"ماذا عن..." لم يعد لي أي عذر.
"اجعل "نيت" فقط وتوكل على الله وهو سيفتح لك السبيل!"

كانت نيّتي أن أعود الى لندن وبيتي ولكن كانت نية الله غير ذلك ووجدت نفسي مع جماعة من الاخوة يخرجون من المسجد صفّا ثم ركبنا حافلة صغيرة متجهة الى ليدز.

لم أزر ليدز من قبل فقلت لنفسي أنني على الأقل سأشهد مدينة لم أشهدها من قبل ولكن لم أعلم حينذاك أنني لن أرى من مدينة ليدز إلا داخلية مسجدها فلمدة أسبوعين طبخنا أكلنا غسلنا ونمنا في المسجد. أعطوني حقيبة النوم و"شلوار قميز" (الزي التقليدي الباكستاني) وطاقية. عند وقت الغذاء بُسِطت على آلأرض لفات طويلة من ورقة وضعت عليها أطباق من كاري وشاباتي طبخوها أعضاء مجموعتنا في تناوب غير أنهم لم يسمحو لي إلا بغسل الأدوات.

قد قيل لنا أن مناقشة السياسة أو الاختلافات المذهبية ممنوعة وحتى مناقشة معنى القرآن كانت ممنوعة مثلا كنت جالسا مع أخ مرة أحاول أن أشرح له معاني بعض الآيات القرآنية عندما لاحظنا الأمير وأمرني بالامتناع عنه:

"لا يحق تفسير القرآن إلا للعلماء فعليك فقط حفظ السور التي علّمكم "مولانا" عن ظهر قلب"
 شكيت له "إذن سنقرأ كلمات لا نفهمها"
"لا يهم! فمن يتلو القرآن له ثواب مهما يكن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"

لم أر كيف يمكن للمرء أن تستفيد من قراءة القرآن بدون فهم معانيها ولكن سرعان ما تعلمت أن قرءاة كلام الله لها قيمة بذاتها ويعتبر شكلا من أشكال العبادة تمنح بركات على القارئ فلذلك حفظ القرآن بغير فهم معناه شائع جدا بين المسلمين خاصةً في البلدان الغير الناطقة بالعربية ولكن حتى في الدول العربية هناك الكثير لا يفهم لغة القرآن جيدا. معظم الذين في مسجد ليدز كانوا باكستانيين وعلى الرغم من أنهم قد حفظوا أجزاء كثيرة من القرآن أكثرهم لم يفهموا كلمة واحدة.

لم يكن حفظ القرآن صعبا جدا كما قد تتصور فله إيقاع شعري وعبارات متكررة مثل بداية الجملة ب "قل!" ونهاية الجملة بصفتين من صفات الله وتكرار بعض القصص والأمثال بحيث توجد في سورة ثم توجد في سورة أخرى بشكل مماثل فهذا يسهل الأمر على من يحاول أن يحفظ القرآن ويقوم الأطفال بحفظ القرآن في سن مبكر جدا وعُقدت احتفالات عند ختمهم القرآن. انا حفظت جزء "تبارك" (الجزء الاخير) سورة يس ، الملك ، الرحمان ، اواخر سورة البقرة والكهف ، آية الكرسي وآيات اخرى ولكن تعلمت معنى كل آية مع حفظها.

« Last Edit: November 27, 2010, 05:17 PM by Hassan »
cosmicdancer
Pub Regular
*****
Posts: 21507
  Offline
« Reply #4 on: November 27, 2010, 03:08 PM »


لقد كان هناك كتاب الذي شجعونا على فهم معانيه وهو "تعاليم الإسلام" بقلم مولانا الكاندهلوي وأُعطِي الجميع نسخة منه وأُمرنا بدراسته خلال الفترات بين العبادات والمحاضرات. كان هذا الكتاب مصدرا لكثير من المحاضرات ألقاها "مولانا" وكان يتضمن روايات عن الرسول والصحابة وأقوال الصالحين. كان غرضه تعليم العفة والتقوى ومخافة الله وفي البداية وجدت القصص غريبة لا علاقة لها بالمجتمع من حولي فعلى سبيل المثال القصة بعنوان "توبيخ النبي على الكَشْر" - (الكَشْر هو الكشف عن الاسنان عند الابتسامة والضحك):

"دخل رسول الله (صلعم) يوما مصلاه فرأى ناسا يكشرون فقال "أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللذات (يعني الموت) لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هادم اللذات.....الموت....فإنه لم يأتي على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة، و أنا بيت الوحدة، و أنا بيت التراب، و أنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا و أهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم و صرت إليّ فسترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره و يفتح له باب إلى الجنّة . و إذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا و لا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إليّ فإذا وليتك اليوم و صرت إليّ فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه حتى يلتقي و تختلف فيه أضلاعه ويقيض له سبعون تنينا (حية) لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا، فينهشنه ويخدشنه حتى يقضى به إلى الحساب."

أوضح الكاتب في المقدمة أن هدفه في نشره هو:

"بدلا من قراءة حكايات الأطفال المملوؤة بالأساطير والخرافات عند وقت النوم يجب علي أمهات الأطفال المسلمين  قراءة هذه القصص الحقيقية من عصر الرسول والصحابة والصالحين حتى يخلق فيهم المحبة والاحترام للرسول والصحابة ويزيد إيمانهم ويكون بديلا مفيدا لقصص الأطفال الحالية"

كلما قرأت القرآن والأحاديث وقصص الصحابة كلما أصبحت مألوفا ومتأقلما لعقلية القرن السابع وبعد عدة أيام من القعود في المسجد والمحادثات المستمرة والصلاة النافلة شعرت باغتراب عن واقع الحياة من حولي كأن العالم خارج المسجد مليئا بالمخاطر والشر والفتنة ولكن على الرغم من ذلك أمرنا الامير بالخروج لهذا العالم فإنه اختار كل يوم ثلاثة أشخاص لزيارة عنوان من قائمة عناوين جمعوها الاخوة مسبقا. تنتمي هذه العناوين للمسلمين المحليين الذين يُعتبروا بحاجة الى الهداية قلقت عندما اختارني الأمير لزيارة عنوان اول مرة.

اشترط علينا الأمير قواعد محددة فيما يتعلق بسلوكنا خارج المسجد فحظر علينا النظر من حولنا حتى لن نرى حراما فعلينا أن نغض البصر ونتردد أدعية خاصة ، لذلك وجدنا صعوبة في أن نشق طريقنا وأحيانا كنا نصطدم مع الذين يسيرون في الاتجاه المعاكس. وصلنا اخيرا بالعنوان وطرقنا الباب واستقبلنا شاب اسوي حليق اللحية يلبس أحدث الأزياء فرحب بنا بخجل وأدخلنا غرفة الجلوس وقدم لنا الشاي والكعك ولكننا لم نتناول منها كما أمرنا اميرنا لأن هذا الفاسق ربما استخدم المكوّنات المحرَّمة. جلسنا بحذر على حافة أريكته بينما ألقى أميرنا (عُيِّن اميرا لكل مجموعة مهما كانت صغيرة) محادثة عن الموت ويوم القيامة وغيرها من القصص المثيرة من كتاب "تعاليم الاسلام" وألحّنا على مجيئه الى المسجد لسماع محاضرات أميرنا ووافق في النهاية أن يحضر صلاة العصر وأن يستمع الي المحادثة بعده. أنجزنا بمهمتنا فرجعنا - غضاضة البصر - الى المسجد.

لم يلبث إلا يسيرا حتى تملكتني عقلية الهوس وخفت من أنني إذا لم أؤدي كافة التعاليم التي علّمني اياها "مولانا" سأحترق في أسفل دركات جهنم! لم يشغلني فرائض الاسلام فقط ولكن نوافله والعبادات الإضافية وجميع السنات حتى أصغر تفاصيلها. أما الأمور الدنيوية فتضائلت أهميتها عندي

قال مولانا "لا تقل أبدا اننا في عصرنا هذا أكثر تقدما مما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلقد كان جميع أفعاله خير المثال لنا حتى ركوب بغل أفضل من ركوب سيارة أو طائرة لأن ذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم"

كان الاحتذاء بأفعال الرسول يشمل كيفية تنظيف الاسنان وقدم مولانا محادثة عن أهمية استخدام السواك

قال "قال  صلى الله عليه وسلم  "لولا أن أشق على أمّتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"

أخرج مولانا سواكا وشرح لنا كيف نستخدمه بتجريد قشرته من طرف ومضغه حتى كان لينا ثم حك اسنانه به فلما قضى روى لنا قصة:

 "إن الصحابة غزوا غزوة وأرادوا فتح حصناً ما، فاستعصى عليهم ، فتساءلوا عما هجروه من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتذكروا السواك ، فاستاكوا بالجريدة ،  فرآهم أهل الحصن فقالوا: إنهم يحدون أسنانهم ليأكلونا!! فاستسلموا للصحابة"

أصبحت السنات والعبادات والأدعية تسيطر على كل ثانية من يومي عند الصحو من النوم حتى العودة اليه ، عند دخول المرحاض والخروج منه.  ذات الليلة عاتبني مولانا على كيفية نومي فقال:

"إنه يجب عليك أن تضطجع ورأسك باتجاه القبلة وأن تتوسد كفّك اليمنى - كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم."

بعد ذلك منعت نفسي من التحول من جنب إلى آخر كما كنت أفعله عادة مما اضطرب نومي كثيرا. أصبحت قلقا جدا اذا عجزت عن الاستمرار بكل هذه العبادات والواجبات بعد عودتي الى البيت ولكن لم أستطيع أن أعبّر عن قلقي الى أحد من جماعتي خاصة "مولانا" بل هو كان يفتخر بأن إداء كل واجبات الدين عسيرا للغاية ، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

"يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار"

وأضاف "لم يرد أحدا أن يمسك بفحم حارق إن غريزته أن يسقطه ولكن علي المسلم أن يقاوم غريزته ويتحمل الألم الفظيع للفوز على الجنة وتجنب الجحيم فهو يشتري نعيم الجنة بثمن معاناته في الدنيا وعليه أن يكون مضرب السخرية للكفار وأن يكون غريبا لهم كما قال النبي :

"بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" قيل يا رسول الله من الغرباء؟ قال "الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" وفي رواية اخرى الغرباء هم "النُّزاع من القبائل" يعني الذين يجدون قومهم على البدعة فينزعون منهم لأجل الإسلام"

لم أقم في مسجد ليدز أكثر من أسبوعين ولكن بدا لي أنه أكثر من ذلك ولما رجعت الى مسجد ديوسبري شعرت بالخوف والارتباك بالنسبة للعودة إلى 'العالم الواقعي' مع مغرياته الشريرة التي قد تضلني عن سبيل الله. بحثت عن شريف  لكنه لم يعد بعد. كان شهر رمضان فحضرت الإفطار في المسجد ، بعد الأكل اسأنفت المحاضرات من جديد ولكني بدلا من حضور محاضرة تسللت بهدوء خارج المسجد للحصول على الهواء الطلق وفوجئت برؤية حوالي عشرين الرجال يدخنون سيجارات في صفّ طويل حول الجدار الخلفي. كانت اول سيجارتهم بعد يوم طويل من الصيام فكانوا يشعرون بالدوار بسبب تأثير النيكوتين المفاجئ وسلّموا عليّ كأنهم سكارى وعلى الرغم من أنني كنت أدخن قبل فترة قصيرة استنكرت فعلهم لأن مولانا علمني أن التدخين مكروه في الاسلام وتعجبت منهم لأنهم أصحاب اللحى الطويلة والعمائم الكبيرة ولكن في نفس الوقت رؤيتهم عزّتني أن هناك مسلمين الذين عرفوا ما هي واجباتهم ولكن ما زال لم يكونوا مثاليين فإنه طمّنني أن الله لم يدخلني ناره ان لم أكون مثاليا.

سعدت لما رأيت شريف أخيرا اليوم التالي وكنت حريصا أن أعرف اذا هو شعر بما شعرت به من القلق والاضطراب ولكنه كان مرتاحا مبتهجا وأشاد بخبراته الرائعة وأنه لا يكاد يصبر حتى الخروج مع الجماعة القادمة.  عدنا الي لندن وكنت فرحانا جدا حينما دخلت بيتي غير أن الدنيا قد تغيرت وأولوياتي تحولت قليلا ما. أطلقت لحيتي وارتديت الجلباب وطاقية وصمت كل يوم الاثنين واشتريت سواكا والتزمت بكل تعاليم مولانا تماما فكنت مصمما على أن أحافظ على مستوى التقوى والمخافة العالي الذي قد وصلت اليه في مسجد ليدز. اندهشت عائلتي واصدقائي في البداية عندما رأوني متدينا الى هذه الغاية ولكني وجدت أن الرجوع الى 'العالم الواقع' هدّأ قلقي وأعاد لي التوازن والاعتدال ورأيت هاجس "جماعة التبليغ" مع الشكلية والسطحية تشويها للإسلام وذكرت ما قاله القرآن ان الله "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وأن لا ضرورة لصراع بين احتياجات الدنيا مع احتياجات الآخرة  وبدأت البحث عن الفهم والعلم أعمق مما عرض لي "جماعة التبليغ"

New Muslim
Member
****
Posts: 3
  Offline
« Reply #5 on: August 29, 2011, 07:40 AM »


هذه قصة شخص كان غير ملتزم بالاسلام ثم تحول للإلتزام والتشدد

فأين هى قصة الشخص الذى ترك الاسلام وتحول للاأدرى ؟؟

ثانيآ واضح ان من قام بتأليف هذه القصة يحاول ان يشوه الاسلام بناء على تصرفات المسلمين , حيث ان كل قصة ( مولانا ) المزعوم ليس نص من نصوص الاسلام بل عمر بن الخطاب عنف رجل وجده جالس يتعبد فى المسجد واخوه هو الذى يصرف عليه وقال ان اخوك اعبد منك .
وواضح ايضآ ان كاتب مؤلف القصة حاقد جدآ على النبى ويسميه ( صلعم ) كنت اكتفى بذكر اسمه فقط ( محمد ) بدون القاب طالما انك لا تؤمن به ,,

وبالنسبة للدعوة للاسلام فهى محببة لكل مسلم وليست فرض عليه
وعادات الرسول ليست كلها فرض علينا حيث انه هو نفسه قال ( لولا ان اشق على امتى ) يعنى الموضوع محبب فقط وليس فرض لان النبى كان يحب النظافة ولا يريد ان يكون الرجل فمه رائحته كريهة امام اصحابه وزوجته فينفروا منه ,, لان المسلم لابد ان يكون نظيف

1   Go Up
  Add bookmark  |  Print  
« Previous thread | Next thread » 
 
Jump to:  
 

Powered by MySQL Powered by PHP Powered by SMF 1.1.20 | SMF © 2013, Simple Machines
TinyPortal v0.9.8 © Bloc
Valid XHTML 1.0! Valid CSS!