http://www.youtube.com/watch?v=LYD_9Z3fJLU&feature=player_embeddedقصتي من الإسلام الى اللادينيةأثير العاني
نشأت أيام طفولتي في بغداد في كنف عائلة مسلمة متدينة، تعلمت من أهلي حب الاسلام، تأثرت بوالدتي العزيزة وتعلمت منها الخُلق والانسانية والعدل مع الناس قبل كل شيء وتأثرت بخوفها من الله ونسخته عنها كما هو حال كل الاطفال الذين ينشأون على ما عودهم أهلهم ويتبعونه كل حياتهم ما لم تطرق مطرقة الشك على سندان أفكارهم ، كما تأثرت بخالي وهو حافظ للقرآن وأحد أئمة المساجد في منطقة الأعظمية ببغداد، وهو شخص طيب كان يعاملني وانا طفل كما كانت تعاملني والدتي بلطف ومودة ويتناقشون معي كما يتناقشون مع الكبار الراشدين وربما كانت هذه البيئة التي نوقش فيها رأيي واحتُرمت فيها انسانيتي من جهة والتي تربيت فيها على العدل مع الناس والانسانية والرحمة من جهة اخرى هي التي أعطتني فيما بعد ثقتي بنفسي في البحث بعد أن دخل الشك عليّ في كثير من الامور التي أمر بها الاسلام اذ لم أجد أن لها نصيبا من العدل أو الانسانية أو الرحمة فبدأت أبحث بالثقة التي زرعوها في نفسي حتى وصلت الى ما أراه حقيقة اليوم.
تعلمت في أيام صباي حب السنة واتباع نهج الصحابة والسلف الصالح (كما كنت اسميهم) لذا كنت أختار اصدقائي ممن يحب السنة ويتبع نهج أهلها أينما حللت، تعلقت بالمساجد وحفظ القرآن حتى حفظت ثلاثة عشر جزءا منه، كنت حريصا على أن اعمل بمضمون أحاديث النبي، بعد بلوغي سن الرابعة عشر زادت معلوماتي عن الدين وازدادت الواجبات الدينية التي كان عليّ ان ألتزم بها بعد اطلاعي على كتب السنة بشكل اوسع غير أني بدأت أضجر من تحريم الدين لكثير من الامور التي لم أرَ فيها ما يضر الفرد أو المجتمع والتي لم يكن لها بديل من الامور المحللة شرعا، كما ضجرت من كثرة الواجبات الملقاة على عاتقي والتي لم أرَ فيها نفعا للانسان وبدأت أتساءل عن جدواها، كما بدأت الاحظ تناقض الروايات مع نفسها ومع القرآن وحيرني امر النسخ في القرآن وكيف لم يصمد فترة النبي نفسها بدون تغيير بينما يصمد بعد ذلك لأكثر من ألف وأربعمئة سنة بدون حاجة الى النسخ والتغيير كما حيرتني بشاعة بعض التكاليف كرجم الزاني بالحجارة حتى الموت والذي لم أستطع أن أتقبله أبدا وكفر تارك الصلاة وما يترتب عليه حتى ان كثيرا من الفقهاء قالوا بقتله بعد الاستتابة كما احترت كيف سمح الاسلام بسبي نساء المقاتلين في الحرب واستعباد أولادهم وكيف اتفق الفقهاء على قتل المرتد بينما نستقبل المرتدين عن اديانهم الى ديننا بالترحاب فأين العدل في هذا؟ وكيف يقول "من بدل دينه فاقتلوه" من قال "لا اكراه في الدين"؟ والمصيبة أنني مطالب كمسلم بالدعوة الى اقامة الشريعة الاسلامية فكيف سأفعل وأنا لا استطيع تقبلها اصلا؟
ازدادت حيرتي من هذه الامور وغيرها لكنني كنت مؤمنا بوجوب اقناع نفسي بها لأنها من الله وان عليّ السمع والطاعة وإلا فجهنم هي المصير ولن أحتمل عذابا أبديا كالذي وصف في القرآن، الا أن الذي حصل بعد فترة أنني لم أعد أحتمل كثرة التكاليف ووجوب الايمان بامور لا اجدها تحمل من العدل والانسانية شيئا بل يجب عليّ الدعوة اليها وبدأت اؤمن ان الله خلقنا ليأمرنا بأشياء لا نستطيع ان نؤديها ليعذبنا بعد ذلك على التفريط فيها فبدأت أشعر لااراديا بالبغض لهذا الاله ثم قررت ترك الصلاة والفروض الدينية لأنني اقتنعت ان مصيري هو نار جهنم وإن صليت وإن صمت وأديت كل الفروض الواجبة عليّ لأن الجنة لا يدخلها الا من أتى الله بقلب سليم وأنا اشعر بالبغض لله وهو يعلم هذا فالنتيجة واحدة ولا فائدة من الالتزام فهو وحده غير كاف للخلاص من عذاب جهنم.
بعد فترة من تركي الالتزام بالدين لم اعد أحتمل وضعي اذ كنت ما أزال متيقنا أن الله هو من ارسل محمدا الى الناس وان النار حق والجنة حق، ومصيري هو النار بالتأكيد، فقررت البدء بدراسة مصادر الاسلام بنفسي دون الاعتماد على احد من المشايخ لعلني اجد أجوبة لأسئلتي المحيّرة فبدأت بقراءة كتب عن علم الحديث وعلم اصول الفقه لأعلم من أين أتت هذه الاحاديث وكيف يبني الفقهاء اجتهاداتهم فبدأت اكتشف ثغرات خطيرة في أدلة اصول الفقه وعلمت ان الاحاديث المسماة بالصحيحة هي ظنية الثبوت وليس من المؤكد أن النبي قد قالها ثم وجدت اعتراف كثير من الاصوليين كالنووي والمعتزلة وجمهور الاشاعرة بذلك، وكذلك الاجماع الذي عليه كثير من الإشكالات حول حجيته وإمكان التحقق من وقوعه. أما القياس الفقهي الذي رفضه الظاهرية فيعتمد مجرد الشبه الظاهري بين ما هو منصوص عليه في زمن النبي وما هو حادث الآن و عند قراءة كتب عن علم المنطق للغزالي وغيره رأيتهم يؤكدون ان القياس الفقهي يدخل ضمن ما يصطلح عليه بالتمثيل في علم المنطق والذي لا يفيد اليقين بل لا يفيد الا الظن فلم أفهم وقتها كيف يسمح الفقهاء لأنفسهم أن يوجبوا علينا العمل بمضمون أحاديث يعترفون هم انفسهم بظنيتها!!
وبعد دراسة أكثر لاصول الفقه عرفت سبب ذلك عند جمهور الأصوليين، فإن الظن الراجح عندهم كاف في ثبوت الحكم، فمثلا إذا حصل الظن بأن النبي قد أمر أمرا وجب قطعا العمل به ويؤثم تاركه ويؤجر فاعله فاليقين بقول الرسول ليس شرطا لوجوب تنفيذ ما أمر به القول المنسوب إليه والظن وحده كافٍ!!
ذهلت لما علمت وبدأت أتسائل، هل نرجم الزاني المحصن ونكفر تارك الصلاة ونقتل المرتد وغيرها من الامور البشعة بنصوص ظنية!!
تسائلت، ماذا ان فعلناها ثم اتضح يوم القيامة ان الرسول لم يأمر بها وعاقبنا الله على ذلك؟ قرأت الأجوبة على هذه الأسئلة ولم تكن مقنعة أبدا لي ووجدت الردود عليها أكثر اقناعا ومن داخل اصول الفقه نفسها.
لاحظت بغض المذاهب الاسلامية بعضها بعضا وتنبأت قبل سنين طوال مما يحصل الآن في بلدي ان الامر خطير وإن الامر سينفجر يوما من الايام بين السنة والشيعة وكذلك بين اصحاب المذهب الواحد انفسهم اذا ما تحول ما هو مكتوب على الورق الى أفعال على أرض الواقع فالتكفير قد يقع في فهم آية بناء على رواية ما في كتب الاحاديث والتي تجد في كثير من الأحيان ما يعارضها في روايات اخرى من نفس الكتب فيتشبث كل فريق برواية ويؤول الاخرى فيكفر بعضهم بعضا ثم يتقاتلون بسبب حد الردة الذي اتفقوا عليه على اختلاف مذاهبهم
خلال قرائتي لاصول الفقه مرت عليّ كلمة "علم الكلام1 والمتكلمين" فأردت أن أعرف أكثر عنها فسألت عند ذهابي المعتاد كل يوم جمعة الى شارع المتنبي2 عن كتب بهذا العنوان فكان أول كتاب وجدته بعنوان "الباقلاني3 وآراءه الكلامية- رسالة دكتوراه" فاشتريته وقرأته بتلهف وشوق لعلي أجد فيه شيئا يقنعني بالاسلام ويطفئ نيران أسئلتي التي ستدخلني جهنم ان لم تنطفئ قبل قدوم هادم اللذات مفرق الجماعات(الموت).
كان الكتاب عاما وفيه شرح واف لمبادئ علم الكلام وليس خاصا بالباقلاني، ورأيت خلال قرائتي له أن مذهب الاشاعرة أقل تشددا بصورة عامة من مذهب أهل الحديث أو الحنابلة كإبن تيمية حيث انهم يعترفون بظنية أخبار الآحاد وكثير منهم لا يوجبون الجزم بها في العقائد لا سيما إن تعارضت مع العقل، الا أن من لفت انتباهي أكثر في الكتاب هم المعتزلة وآرائهم المنطقية والعقلانية في كثير من الامور ولم أكن قد سمعت عنهم حتى تلك اللحظة الا شرا، غير ان استغرابي هذا الشر الذي سمعته عنهم بدأ يزول عندما قرأت بعدها كتبا عديدة تتناول فكرهم والتي أرتني جرمهم الكبير والمتمثل باطلاقهم العنان لفكرهم المحدود وثقـتهم بعقولـهـم القـاصرة واتباعها مقابـل ظاهر النص الالـهي (اعذروني تبت من هذا الكلام منذ زمن).
قرأت الكثير من الكتب عن المعتزلة وأعجبني فكرهم جدا لكن لم يمكنني اتباعهم كليا حيث كان عندهم بعض الاعتقادات المخالفة لصريح الكتاب كما ان كثيرا منهم لم يكونوا أقل إفراطا من أهل السنة في تكفير مخالفيهم، لكنني اتبعت آراء المعتزلة في الفروع لغنى مذهب المعتزلة بالآراء الفقهية حيث قرأت في اصول الفقه عندهم فرأيت مثلا يحتذى به في العقلانية في كثير من آرائهم ورأيتهم قد سألوا الأسئلة التي كنت يوما اعتقد أنني وحدي الضال الذي سأل عنها فأحببتهم من كل قلبي ورفعت قبعتي احتراما لفكرهم الذي لو قدر له ان يستمر ولم يحارَب لكان حالنا اليوم غير الحال الذي نحن عليه من التخلف ورجعية الفكر ورفض العقلانية.
انتهى بي الأمر متبعا لعلماء المعتزلة في الفروع وفي كثير من الاعتقادات كقولهم أن العقل أساس النقل وأن الانسان مكلف بالعقل كما هو مكلف بالنص وأن الايمان بالعقل والدليل لا بالتصديق بالقلب وحده كما يقول اهل السنة وأن أصحاب الفترة مأمورون باتباع الحسن عقلا واجتناب القبيح عقلا وهو الأمر الذي أعطى بديلا منطقيا لوجود أنبياء في بعض الفترات التي لم يكن فيها انبياء وآمنت مثلهم بحرية الارادة الانسانية وامور اخرى كمكافئة الله للبهائم يوم القيامة كواجب على الله من حيث الحكمة تعويضا لهم عن الإضرار بهم في الدنيا والذي كان أمرا محيرا بالنسبة لي حتى قبل ان اقرأ عن رأيهم فيه، غير أني كنت مرجئا لا اؤمن بأصل المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين اذ ان فكر الوعيدية الذين يؤمنون بعذاب لا نهاية له لذنب منتهٍ لم يكن يقنعني أبدا وكنت محتارا في مسألة خلود الكافر في النار فالحيرة في صاحب الكبائر من المسلمين من باب اولى.
في مسائل الذات والصفات كثبوت الجهة والرؤية يوم القيامة وغيرها اخترت ان اكون واقفيا واعتبرت الخوض فيها من التنطع في الدين.
قرأت عن ادلة أهل السنة في تعيين الصحابة وتعريفهم لهم فلم أجدها مقنعة أبدا فالمدح في القرآن لا يشمل كل من لقي النبي مؤمنا به ومات على الاسلام(كما هو تعريف اهل السنة للصحابة) بل القرآن يمدح بعضا منهم ويذم آخرين، تشيعت لعلي وبغضت معاوية حيث لم يكن مقنعا بالنسبة لي أبدا ان فريقين يذبح بعضهم بعضا يمكن أن يكونوا جميعا على الحق وأدركت كيف أن ذلك يقوم مقام التساهل في القتل بحجة الفتنة أو ما شابه ثم صار رأيي عن الصحابة بين السنة والشيعة لكن بقيت عندي عدة مشاكل لم أجد جوابا لها ابدا (حتى صرت لادينيا)، مثل الحاجة الى أخبار الآحاد الظنية الثبوت لتطبيق وفهم كثير من النصوص القرآنية أو الأحاديث المتواترة مثل كيفية الصلاة ومقدار الزكاة ومعرفة الاشهر الحرم التي حرم القرآن القتال فيها ولم يذكرها، وكذلك وجود عدد من النصوص القرآنية والأحاديث المتواترة التي تحمل امورا لم أستطع تقبلها كالعدوانية تجاه الآخر الواردة في نصوص قرآنية مثل(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) و(فإذا أنسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ووحشية بعض الحدود الواردة فيه كالنص الدال على وجوب قطع يد السارق، كذلك وجود بعض الامور غير المنطقية في القرآن كالنصوص الدالة على وجود يأجوج ومأجوج تحت السد الذي بناه ذو القرنين حتى الآن وخروجهم الموعود وغيرها، لكن الادهى من ذلك هو تعرفي على مشاكل جمع القرآن ومدى اختلاف قراءات القرآن السبعة فيما بينها معنويا، كقوله: وما اُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت (بفتح لام الملكين أي من الملوك وفي قراءة بكسرها أي من الملائكة) فهل هما من الملائكة ام من الملوك؟، وكذلك ماننسخ من آية أو ننسِها(أي من النسيان) وفي قراءة ننسأها (أي نؤخرها فلا ننزلها)، وقوله (امسحوا برؤوسكم وأرجلَِكم الى الكعبين) بفتح لام وأرجلكم وكسرها فاختلف الشيعة والسنة حول مسح الرجلين عند الوضوء أو غسلهما خلافا كبيرا الى يومنا هذا، الى غيرها من الخلافات المعنوية التي تظهر لكل من يقرأ عن قراءات القرآن السبع أو العشر.
كانت بداية عهدي بمعرفة اختلافات القراءات عند قراءة محاضرات في أصول الفقه كانت مقرّرة لطلبة كلية الحقوق في الجامعة المستنصرية ببغداد من تأليف أستاذ المادة الدكتور حَمَد الكبيسي (الأخ الكبير للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي) حيث لاحظت عددا من الفروق بين القراءات في معرض كلامه عن قراءات القرءان منها قوله "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ (فتبينوا)" وفي قراءة (فتثبتوا)، وكذلك قوله "تجري مِن تحتِها الانهار" و"تجري تحتـَها الانهار" والخلاف الأخير وإن لم يكن معنويا الا انه لا مبرر له اذا كان القرآن كلام الله وقد نقل بلفظه عن النبي، كما علمت ان القرآن الحالي هو منقول بروايات عن المصاحف الستة التي بعث بها عثمان الى الامصار والمصحف الامام اختص به نفسه وليس نقل كتاب عن كتاب فما فائدة تدوين القرآن اذا لم يكن قد نقل الا بالرواية؟
والأدهى من ذلك حين علمت أن المصاحف العثمانية نفسها غير متشابهة مع بعضها البعض كما يقرر علماء القراءات انفسهم بشجاعة يحسدون عليها، لكن بعضهم يبرر ذلك بأن الرسول سمح بقراءة القرآن على اوجه مختلفة حسب لهجات العرب وتسهيلا عليهم وأنه انزل على سبعة أحرف، لكن هذا التبرير لم يكن مقنعا لي لعدة أسباب منها أن اختلاف اللهجات لا يبرر اختلاف المعنى بل اختلاف اللفظ بشكل يعطي نفس المعنى.
كذلك ما سر هذه المحاباة للعرب بأن يقرأوا القرآن بلهجاتهم بينما باقي البشر محرومون من فهمه أصلا وهم مع هذا مكلفين بالاقرار بأنه معجزة!
وعند البحث عن حقيقة الأمر تبين ان السبب هو عدم النقط والشكل فالكتابة كانت بدون نقط الإعجام (كالنقاط المميزة بين التاء والثاء والباء والياء) وكذلك بدون شكل (أي نقط الاعراب التي أصبحت فيما بعد حركات الفتح والضم والكسر..الخ) ونجد مثالا على ذلك بعض المخطوطات القديمة منها مخطوطة القاهرة والمكتوبة بالشكل الموضح أدناه:
يتبع.....