- يركز نيتشه في فلسفته على (خلق) الإنسان الأعلى ، أي الوصول بالإنسان عن طريق الصراع ، والتطور الذاتي الصاعد .. فكل الكائنات من أدناها قد ادت رسالتها في الترقي إلا الإنسان ، وكان على الإنسان ان يفعل نفس الشيء ، لكنه وقف في محله ، وقد اعاقته اوهامه الذاتية عن الدين والأخلاق والقيم والإبقاء على الضعفاء ، وهذه افقدت المسيرة اهدافها ، على الإنسان ان يبدأ المسيرة من جديد ، ولن يتم ذلك إلا بالقضاء على الدين والقيم وإحياء الصراع ، وتطبيق قانون البقاء للاقوى حتى يصل في النهاية إلى الإنسان السوبرمان .
لكن الطبيعة ليس فيها هذا الصراع الدامي الذي يدور في خيال نيتشه ، فالضعفاء والاقوياء يعيشون جنبا الى جنب في الطبيعة ، وهو قال عن هذه الانواع انها ادت رسالتها في التطور ، اي لم تكن في حاجة الى صراعه الدموي ، واعترف بانها ادت رسالتها .
ومن قال له ان الصراع توقف يوما من الايام ؟ السياسة صراع والحروب صراع مستمر ، والتجارة صراع ، والثقافة صراع والرياضة صراع ، شبعنا صراعا ولم نر تقدما !
الصراع لا ينتج تقدم ، الصراع ينتج غالبا ومغلوبا . هل تنتج الصراعات الرياضية تقدما واحدا سوى تغير المواقع بين غالب ومغلوب ؟ وتكرار النتائج مع اختلاف اصحابها ؟
- وللوصول إلى هذه الغاية ، يجب الا تترك الامور تسير تلقائيا ، بل يجب أن تسير الامور حسب نهج معين ، يلتزم به الجميع ، والمنهج اللازم إنما يتم عن طريق امرين : تحسين النسل ، والتعليم .
كيف سيلتزم به الجميع كقيمة ، وهو ضد الارتباط بالقيم ؟ ويطالب بالفردية وتحقيق الذات ، في حين يحذرهم من ان يقبلوا كلام اي احد، لا عن دين ولا عن وطن ولا امة .. ؟؟ نيتشه يرفض الارتباط بالموروث ، والان نيتشه اصبح موروثا بلنسبة لنا ، فهل نطيعه ام نعصيه ؟
- وتحسين النسل ياتي في المرتبة الاولى ، وتحسين النسل يتطلب رفض الزواج العشوائي الذي يقوم على ما يسمى : الحب ، والذي يقع فيه عظماء الرجال ضحايا للخادمات وأمثالهن تحت ما يسمى بالحب ،
لاحظ كيف يكره الحب ويجعله سببا في تأخر البشرية ، انه يستطيع ان يجعل اي شيء يكرهه سببا لتأخر البشرية ، وكأن البشرية لا هم لها الا التقدم العلمي فقط ! ومستعدة لان تقتل ابنائها لاجله ! بل تنتحر جماعيا حتى يتحقق تطور علمي يرضي نيتشه !
- لكن ينبغي ان يختار الارقى من الرجال لأمثالهم من النساء ، فتتزوج النساء الراقيات بالرجال الراقين ،
ماذا يقصد بالرقي هنا ؟ هل هم الاغنياء ؟ ام المصارعين ؟ ام الملاكمين ؟ ام السياسيين ؟ لن تجد اقوى ظهوراً من الحمّـالين ! فلعله يقصدهم !
- ويكون الزواج محكوما بهذه المعايير . يقول نيتشه : " يجب الا نسمح بزواج يقوم على الحب ،
حتى وان كانوا من النوع الراقي ؟ وما الحكم اذا كان احدهما راقي والاخر غي راقي ؟ ربما نحتاج إلى فتوى ! فالمفتي مات !
وأن يتزوج خير الرجال من خير النساء ، أما الحب فلنتركه لحثالة الناس ، اذ ليس الغرض من الزواج مجرد النسل ، بل يجب ان يكون وسيلة للتطور والترقي .. بمثل هذا المولد وهذه التربية الإنسان فوق الخير والشر ، ولا يتردد في اللجوء إلى العنف والقسوة في سبيل الوصول إلى غايته ." والغاية التي يقصدها هي السوبرمان .
لا زلنا في حديث عن الزوج الراقي الذي لا يتورع عن استعمال العنف ، فهل تسلم زوجته من هذا العنف يا ترى ؟ ثم ان الرجل اقوى من المرأة ، فهل سيقتلها بناء على الخطة السابقة في قتل الاقوياء للضعفاء ؟ ام انه نسي الخطة الأولى ؟ ام سيقتلها بعد ان تلد ؟
- زعم نيتشه أن الوجود له غاية ، وغاية الوجود هي الصيرورة أو الدور السرمدي ، وهو يعني بهذا ان ينفي كل ما جاءت به الاديان من القول بالنعيم الدائم والعذاب المقيم ، وأن هذه الدنيا ستنتهي بدار خالدة لا تفنى أبداً . وحتى يحارب هذه الحقيقة الدينية قال بنظرية الدور السرمدي ، وهي نظرية معروفة في التراث الثقافي اليوناني ، وهي تقرر ان الموجودات جميعها تمر في دورات متتاليات صاعدات ، تبدأ الدورة بالخلية الأولى ، أو بالذرة ، ثم تترقة وتتطور تصاعديا ، تصل إلى أعلى ما يمكن أن تصل إليه الموجودات من ترقّ صاعد ، ثم يفنى كل شيء تماما ، لتعود دورة اخرى من جديد وعلى نفس النمط ، وتتكرر نفس الظروف والأحوال والموجودات .. وهكذا في دورات دائمة سرمدية لا تنتهي .. وقالوا .. أن هذه غاية الوجود ..
هذا ايمان بالغيب ، وهو ضد الايمان بالغيب ، يشبه فكرة تناسخ الارواح الهندسية . يستطيه ان يقبل هذه الدورة ولكن لا يستطيع ان يقبل وجود حياة اخرة ، وكلاهما بدافع العقل الذي لا يكيل بمكيالين ابدا !
- ص115: يقول نيتشه : المعتلون هم اكبر خطر يهدد الانسان ، وليس الاشرار او الحيوانات المفترسة ، الفاشلون والمهزومون وذوو العاهات والضعفاء جدا هم الذين يلغمون الحياة ويسممون ثقتنا فيها وفي الانسان وفي انفسنا .
هذا كلام غير مسؤول ، لأنه غير منطقي ، وأول ضحايا كلماته لو طبقت، سيكون نيتشه نفسه المريض والضعيف والعالة على غيره . ثم هل المريض يستمر مريضا ؟ وهل كل صاحب عاهة يعني انه ضعيف ؟ لقد حكم اقوى الدول اشخاص من ذوي العاهات ، ايزنهاور انتصر في الحرب العالمية وهو مشلول ومقعد ، والأمثلة كثيرة .
نيتشه ليس فيلسوفا ، لأنه لم يحدد تعريفا للاقوياء أو ما يسميهم بالسادة مع أنها قضية جوهرية في فلسفته ، لهذا لا يستحق لقب الفيلسوف ، بل الشاعر الحاقد الحسود ، فهو يتكلم بطريقة ادبية . من هم الاقوياء في نظره ؟ هذا غير معروف . اذا لسنا امام رجل منطق ، لأنه يبني النتائج على مجهول .
- ص130 : نيتشه فلسف المرض ويجعله شرطا للابداع .
وهذا تناقض ! قبل قليل يطالب بافناء المرضى وانهم هم من يعيق تقدم الاقوياء ، والآن جعل المرض شرطا للإبداع ! والإبداع قوة ! وفي نفس الوقت يطالب بقتل المرضى ، اي قتل الابداع ! اذا نحن امام شاعر مخرف يتناقض في نفس الصفحة . هو لا يعرف ان يفكر بدون عقدة القتل .
- ص133 : المرأة عند نيتشه بطبيعتها خنوع ومستاءة وخداعة وعاجزة عن السعي الذي لا يكل نحو الحقيقة .
هل المخادع يبحث عن الحقيقة ؟
- ص165 : اخلاق نيتشه المعبّر عنها باخلاق السادة واخلاق العبيد ، هي تجزئ العالم الى قسمين : العبيد والسادة ، السادة يمثلون الاقلية ، بينما يمثل العبيد الاكثرية .
- اعتراض نيتشه التاريخي على المسيحية كامن في انها السبب الرئيس في قبول ما اسماه اخلاق العبيد و قيمها والترويج لها ، اخلاق هذه الطبقة التي تشكل جزءا اساسيا من نظريته المشهورة في التفرقة بين نوعين من الاخلاق : نوع مصدره الممتازون في الانسانية ، وهو اخلاق السادة ، واخر مصدره رعاع الانسانية وطبقاتها المنحطة وهو اخلاق العبيد .
- تفيض اخلاق السادة بالقوة والثراء والعطاء ، في حين تنبع اخلاق العبيد من الحقد والكراهية وحب الانتقام . وتاريخ الاخلاق كما يقول نيتشه ، هو تاريخ الصراع بين اخلاق السادة واخلاق العبيد ومحاولة كل منهما السيطرة على الاخر .
من يبسط اخلاقه على العالم يكون قويا ، اذا ليسوا عبيدا من تحكموا في العالم وفرضوا اخلاقهم . لهذا السبب تهرب عن تعريف السادة والعبيد ليجعلها على مزاجه ويوزعها كما يشاء ، ولهذا فهو ليس بفيلسوف .
الفيلسوف يقدم تعريفات لكل ما يقول ، او تستطيع ان توقفه عند تعريفاته ، ولكن الاديب لا يقدم تعريفات بقدر ما يقدم شعوره وعواطفه تجاه الاشياء ، نحن نعرف من يكره نيتشه ومن يحب ، ولكن لا نعرف حدودا عقلية يقدمها نيتشه ويعرف بها ، اي ان مشاعره اوضح من عقله ، وهذه عادة الشعراء . لكن الفيلسوف مثل سقراط وكانت وديكارت ، تجد أنك أمام عقل تستطيع ان تناقشه ، ويتضح لك عقله اكثر من شعوره ، نيتشه كاتب عاطفي ولكن حتى عاطفته ليست جميلة ، فهي عاطفة شرير ، إنها عاطفة الدراكولا الحاقد على البشر ، والمبتهج بحفلات الدماء . الشيطان استحوذ على عقله ونطق بلسانه ، هذا كل ما في الامر . فهو ناطق رسمي باسم الشيطان .
- يقول نيتشه : انتم ايها الواضعون للقيم اقدارها بمقاييسكم وموازينكم ، وبما تقولونه عن الخير والشر ، هل كان لكم ان تفعلوا هذا لو لم تكن لكم ارادة القوة ؟
هو يحسب ان القيم البشرية قررها اشخاص قرروا ان يضعوها فوضعوها والزموا الناس بها مع انهم عبيد !! و انها من خيالات اناس يريدون القوة !
لو فحص الامر جيدا لوجد ان حب الخير مغروس في نفوس البشر ، وليس فكرة اقترحها شخص او اشخاص يريدون القوة فاكتشفوا هذه الحيلة كما يتصور بموجب تفكيره البسيط السطحي . كأنه يقول : " بما انه يتحدث بها اشخاص ، اذا هم الذين اخترعوها !" وهذا الربط غير منطقي وظاهر البساطة والتسطح .
والسؤال هو : اين مكمن العبقرية في مثل هذا الشخص البسيط المتناقض المنطوي على نفس شريرة ؟ هل هو الشر ؟ هل ارادة الشر عبقرية ؟ الاحسن ان تسمى فلسفته بارادة الشر بدلا من ارادة القوة ، لان القوة في العقل المترابط ، وهو يقدم عقلا مفككا تتصرف به العواطف الهمجية . الشر لا يصنع قوة كما يتصور ، الشر ضعيف ويصنع الضعف . (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) .
لو طبقت افكار نيتشه لتسببت في ضعف البشرية وفنائها . افكاره هي نفسها افكار الشيطان الذي دعا قابيل ليقتل هابيل .
- ص168 : لم يتجرأ احد على نقد الاخلاق مثل ما انتقدها نيتشه ، ومصدر هذه الاخلاق هو اسيا وبالذات اليهود اثناء خضوعهم الطويل الذي جعلهم ضعفاء خانعين لطلب المعونة من الاخرين ، ومن اليهود انتشرت اخلاق السوق وصارت اوروبا تبحث عن الامن والسلام وظهرت منها الاخلاق المسيحية التي تتطلب وتبحث عن الخنوع والغلبة والهاوية ،
هذا الربط غير سليم تاريخيا ، اليهود لم يشتهروا بحب الخير والسلام ، بل اشتهروا بحب الحروب والتشجيع عليها واشاعة الفتنة ، حتى في اوروبا عندما كانوا يتولون اعمال الجباية بدل الملوك ، ويستغلون الناس ويجلدونهم اذا لم يدفعوا . واشتهروا بتمويل الحروب والتشجيع عليها كما فعلوا في الحربين العالميتين الاولى والثانية .
ثم ان اليهود لم يحضروا المسيحية الى اوروبا ، بل ان اليهود اعداء للمسيحية ، وهذا امر يعرفه نيتشه وغيره ، والمسيحية ديانة عالمية ، اي ان اتباعها ليسوا من اليهود . والصراع بين اليهودية والمسيحية صراع معروف ، حيث يرى المسيحيون ان اليهود هم قتلة المسيح واعداء المسيحية ، وكان هذا من اسباب اضطهاد اليهود في اوروبا .
المسيحية ليست ديانة يهودية ، فضلا عن ان يقدمها اليهود الى اوروبا . يؤيد هذا ان نيتشه نفسه سوف يعود ليعجب بإرادة القوة وحب السيطرة عند اليهود في كتابه " الفجر " ، وهذه احدى صور التناقض الكثيرة عند نيتشه .
فدعت المسيحية الى الرحمة والتضحية والعطف على الضعفاء وصارت اخلاق العبيد هي اخلاق الرعاع والغالبية العاجزة التي لا تتميز فيها الروح الفردية ، حتى صارت الرحمة عبودية وفقدانا للقوة . يقول نيتشه : ان الاخلاق المسيحية مليئة بخداع النفس ،
الاخلاق هي قوة وليست ضعفا ، القوي هو الذي يرحم وهو الذي يستطيع ان يتمسك بالاخلاق كالعفو والتسامح ، واذا كان يقصد القوة المادية ، فالقوة المادية تاتي من خلال الناس ، والأخلاق تجعل الناس يحبون الشخص ويعملون لاجله واجل مصالحه ، فيتحول الى قوي ، لأن الجميع يحب ان يخدمه . اذا الاخلاق تصنع القوة .
تصور شخصا انانيا لا يعفواولا يتسامح ولا يرحم ، سيتخلى الناس عنه ويقفون منه موقف العدو ، وبالتالي سيكون ضعيفا. وهل الحكام الذين يعجب هو بقوتهم ، هل اكرهوا الناس بالقوة والسيف بالخضوع لهم ؟ ام أنهم ظهروا لهم بمظهر التكرم والمحبة والمساعدة فقبلهم الناس وبايعوهم ؟ وهذا ينسف كل فكرة نيتشه عن القوة .
فالزهد والتقشف والرحمة والشفقة مثلا هي انانية مستترة ، فنحن نشفق على الغير لخوفنا من ان يصيبنا ما اصابهم ، ونزور المريض لنراه في ضعفه ونتشفّى منه ، حتى عطف وايثار الام لابناءها يراه نيتشه انانية وانه يعود في النهاية الى حب الام لنفسها .
لماذا يضطر انه يصفها بالانانية المستترة ؟ هذا يعني انها امر سيء ، وأراد أن يشوه هذه الصفات بوصفها بالأنانية المستترة ، اذا نيتشه يرى ان الانانية امر سيء من دون ان يعترف .
انتهى ..
وتحية للجميع ..